سورة الواقعة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ} ريح حارة {وَحَمِيمٍ} ماء حار {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} دخان شديد السواد، تقول العرب: أسود يحموم إذا كان شديد السواد، وقال الضحاك: النار سوداء وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود. وقال ابن كيسان: اليحموم اسم من أسماء النار. {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} قال قتادة: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر. وقال سعيد بن المسيب: ولا كريم ولا حسن نظيره {من كل زوج كريم} [الشعراء- 7]. وقال مقاتل: طيب. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني في الدنيا {مُتْرَفِينَ} منعمين. {وَكَانُوا يصِرُّونَ} يقيمون {عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} على الذنب الكبير وهو الشرك. وقال الشعبي: {الحنث العظيم} اليمين الغموس. ومعنى هذا: أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك. {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَك، نَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} قرأ أبو جعفر، ونافع والكسائي ويعقوب: {أئذا} مستفهمًا {إنَّا} بتركه، وقرأ الآخرون بالاستفهام فيهما.


فذلك قوله عز وجل: {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} يعني: نأتي بخلق مثلكم بدلا منكمُ، {وَنُنْشِئَكُم} نخلقكم {فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} من الصور، قال مجاهد: في أي خلق شئنا.
وقال الحسن: أي نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير، كما فعلنا بمن كان قبلكم يعني: إن أردنا أن نفعل ذلك ما فاتنا ذلك. وقال سعيد بن المسيب: {فيما لا تعلمون} يعني: في حواصل طير سود، تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف، وبرهوت واد باليمن. {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى} الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئًا. {فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} أني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم. {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} يعني: تثيرون من الأرض وتلقون فيها من البذر. {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} المنبتون. {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} قال عطاء: تبنًا لا قمح فيه وقيل: هشيمًا لا ينتفع به في مطعم وغذاء {فَظَلْتُم} وأصله: فظللتم حذفت إحدى اللامين تخفيفا. {تَفَكَّهُونَ} تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل. وقيل تندمون على نفقاتكم وهو قول يمان نظيره: {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} [الكهف- 42] وقال الحسن: تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة. وقال عكرمة: تتلاومون. وقال ابن كيسان: تحزنون. قال الكسائي: هو تلهف على ما فات، وهو من الأضداد، تقول العرب: تفكهت أي: تنعمت وتفكهت أي: حزنت. {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} قرأ أبو بكر عن عاصم {أئنا} بهمزتين وقرأ الآخرون على الخبر، ومجاز الآية: فظلتم تفكهون وتقولون إنا لمغرمون. وقال مجاهد وعكرمة لمولَع بنا. وقال ابن عباس وقتادة: معذبون، والغرام العذاب. وقال الضحاك وابن كيسان: غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرمًا علينا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، وهو قوله:


{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} محدودون ممنوعون، أي: حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع. {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} السحاب، واحدتها: مُزْنَة {أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ اجَاجًا} قال ابن عباس: شديد الملوحة، قال الحسن: مُرًّا. {فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} تقدحون وتستخرجون من زَنْدكم. {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} يعني نار الدنيا تذكرة للنار الكبرى إذا رآها الرائي ذكر جهنم قاله عكرمة ومجاهد ومقاتل. وقال عطاء: موعظة يتعظ بها المؤمن.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيهُ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم» قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا».
{وَمَتَاعًا} بُلْغة ومنفعة {لِلْمُقْوِينَ} المسافرين والمقوي: النازل في الأرض والقِيُّ والقوا هو: القفر الخالية البعيدة من العمران، يقال: أقوت الدار إذا خلت من سكانها. والمعنى: أنه ينتفع بها أهل البوادي والأسفار، فإن منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم وذلك أنهم يوقدونها ليلا لتهرب منهم السباع ويهتدي بها الضُّلال وغير ذلك من المنافع، هذا قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد وعكرمة: {للمقوين} يعني للمستمتعين بها من الناس أجمعين، المسافرين والحاضرين، يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد، وينتفعون بها في الطبخ والخبز.
قال الحسن: بُلْغة للمسافرين، يتبلغون بها إلى أسفارهم، يحملونها في الخرق والجواليق.
وقال ابن زيد: للجائعين تقول العرب: أقويت منذ كذا وكذا أي: ما أكلت شيئا.
قال قطرب: المقوي من الأضداد، يقال للفقير: مقوٍ لخلوه من المال، ويقال للغني: مقوٍ، لقوَّته على ما يريد، يقال: أقوى الرجل إذا قويت دوابه وكثر مالهُ، وصار إلى حالة القوة. والمعنى أن فيها متاعًا للأغنياء والفقراء جميعًا لا غنى لأحد عنها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6